كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن سنة الخلفاء الراشدين التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرونة بسنته ليس فيها ألبتة تقليد أعمى. ولا التزام قول رجل بعينه.
بل سنتهم هي اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمهما على كل شيء.
لأنهم هم أتبع الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأشدهم حرصًا على العمل بما جاء به.
فالذي يقدم اراء الرجال على كتاب الله وسنة رسوله ويستدل على ذلك بحديث «عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين» الحديث. هو كما ترى.
وأقوال الخلفاء رضي الله عنهم وأفعالهم كلها معروفة مدونة إلى الأن ليس فيها تقليد أعمى ولا جمود على قول رجل واحد.
وإنما هي عمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومشأو رة لأصحابه فيما نزل من النوازل واستنباط ما لم يكن منصوصًا من نصوص الكتاب والسنة على أحسن الوجوه أتقنها. أقربها لرضى الله والاحتياط في طاعته.
وكانوا إذا بلغهم شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه ولوكان مخالفًا لرأيهم.
فقد رجع أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى قول المغيرة بن شعبة. ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض للجدة السدس.
وكان أبو بكر يرى أنها لا ميراث لها. وقد قال لها لما جاءته «لا أرى لك شيئًا في كتاب الله ولا أعلم لك شيئًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقد رجع عمر إلى قول المذكورين في دية الجنين أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها غرة عبد أو وليدة.
ورجع عمر أيضًا إلى حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
ورجع عمر أيضًا إلى قول الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب غليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
ورجع عثمان بن عفان إلى حديث فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالسكنى في البيت الذي توفي عنها زوجها وهي فيه حتى تنقضي عدتها.
وكان عثمان بعد ذلك يفتي بوجوب السكنى للمتوفى عنها حتى تنقضي عدتها.
وأمثال هذا أكثر من أن تحصى. وفي ذلك بيان واضح. لأن سنة الخلفاء الراشدين هي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقديم سنته على كل شيء. فعلينا جميعًا أن نعمل بمثل ما كانوا يعملون لنكون متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنتهم.
أما المقلد المعرض عن سنتهم. وعن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. مفضلًا على ذلك تقليد أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أوأحمد رحمهم الله. فما كان يحق له أن يستدل بحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» الحديث لأنه مقر بمقتضى تقليده. بأنه أبعد الناس عن العمل بحديث «عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين» الحديث.
وأما استدلالهم. بأن عمر كتب إلى شريح:
أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ن فإن لم يكن في سنة رسول الله. فيما قضى به الصالحون فهو حجة عليهم أيضًا لا لهم.
لأن فيه تقديم كتاب الله. ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ن ثم العمل بما قضى به الصالحون. وخيرهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولوكان المقلدون يمتثلون هذا. لما أنكر عليهم أهل العلم. ولكن المقلدين المحتجين بهذا يمنعون العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والعمل بفتاوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولوكان المقلدون يمتثلون هذا. لما أنكر عليهم أهل العلم. ولكن المقلدين المحتجين بهذا يمنعون العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والعمل بفتاوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوجبون الجمود على قول الإمام الذي قلدوه والتزموا بمذاهبه.
ومن كانت هذه حاله. فلا يحق له أن يستدل بشيء من هذه الأدلة.
وأما استدلالهم بأن عمر رضي الله عنه منع بيع أمهات الأولاد فتبعه الصحابة.
وألزم الطلاق الثلاث بكلمة واحد وتبعه الصحابة.
فهو ظاهر السقوط أيضًا.
وقد قدمنا أن متابعة بعض الصحابة لبعض إنما هي لاتفاقهم فيما رأوه. لا لأن بعضه مقلد بعضًا تقليدًا أعمى.
وقد قدمنا إيضاح ذلك بما يكفي.
مع أن المقلدين المحتجين بهذا يمنعون تقليد عمر. وسائر الصحابة. فمن عجائبهم أنهم يستدلون بما يعتقدون أن العمل به ممنوع.
وأما استدلالهم بأن عمرو بن العاص قال لعمر لما احتلم: خذ ثوبًا غير ثوبك. فقال لوفعلت صارت سنة. فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأن عمر بن الخطاب خاف أن يفعل شيئًا فيعقتد من لا علم عنده أنه إنما فعله لكونه سنة. فامتنع من فعله لأجل هذا المحذور.
مع أن المقلد يرى منع تقليد عمر رضي الله عنه.
وأما استدلالهم بما ذكروه عن أُبي وغيره أنه قال:
ما استبان لك فاعمل به. وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه. فهو حجة عليهم أيضًا لا لهم.
لأن قوله: ما استبان لك فاعمل به. صريح في أن ما استبان من كتاب الله وسنة رسوله. يجب العمل بله ولا يجوز العدو ل عنه لقول أحد.
وهذا نقيض ما عليه المقلدون. فهم دائمًا يستدلون على مذهبهم بما يناقضه.
والأظهر أن مراد أُبي بن كعب بقوله: فكله إلى عالمه. أي فكل علمه إلى الله.
فمراده بما اشتبه المتشابه. ومراده بعالمه الله.
فهو يشير إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله والراسخون فِي العلم يَقولونَ امَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
فالذين قالوا امنا به كل من عند ربنا. فقد وكلوا ما اشتبه عليهم غلى عالمه وهو الله.
ويحتمل أن يكون مراد أبي بقوله: فكله إلى عالمه أي فكله إلى من هو أعلم به منك من العلماء.
وهذا هو الذي فهمه ابن القيم في إعلام الموقعين من كلام أُبي.
وعلى هذا الاحتمال فلا حجة فيه أيضًا للمقلدين لأن من خفي عليه شيء من العلم فوكله إلى من هو أعلم منه. فقد أصاب.
ولا يلزم من ذلك الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله بل هو عمل بالقرآن لقوله تعالى: {ولاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
وأما استدلالهم على تقليدهم بأن الصحابة كانوا يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود بين أظهرهم. وأن ذلك تقليد لهم فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأنهم ما كانوا يفتونهم في حالة وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم إلا بما علمهم من الكتاب والسنة كما لا يخفى.
ومن أفتى منهم وغلط في فتواه أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فتواه التي ليست مطابقة للحق. وردها عليه كإنكاره على أبي السنابل بن بعكك قوله لسبيعة الأسلمية لما مات زوجها ووضعت حملها بعد ذلك بأيام: «إنها لا تنقضي عدتها إلى بعد أربعة أشهر وعشر ليال».
وقد استدل أبو السنابل على ما أفتى به بعموم قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
وقد رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فتواه مبينًا أن عموم قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]. الآية. مخصص بقوله تعالى: {وَأولاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
وكإنكاره صلى الله عليه وسلم على الذين أفتوا صاحب الشجة بأنهم لم يجدوا له رخصة وهو يقدر على الماء.
وقد قدمنا قصته. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: «قتلوه قتلهم الله» الحديث.
والظاهر أنهم استندوا في فتواهم لما فهموه من قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. وغفلوا عن قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مرضى} [النساء: 43] الآية. وأمثال هذا كثيرة.
وأما استدلالهم على التقليد بقوله تعالى: {فَلولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهواْ فِي الدين ولينذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] قائلين إن الآية أوجبت قبو ل إنذارهم. وأن ذلك تقليد لهم. فهو ظاهر السقوط أيضًا.
لأن الإنذار في قوله: {وليُذِرُواْ قَوْمَهُمْ} لا يكون برأي.
وإنما يكون بالوحي خاصة. وقد حصر تعالى الإنذار في الوحي بأداة الحصر التي هي إنما في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحي} [الأنبياء: 45].
وبه تعلم أن الإنذار لا يقوم إلا بالحجة فمن لم تقم عليه الحجة. لم يكن قد أنذر. كما أن النذير من أقام الحجة. فمن لم يأت بحجة فليس بنذير.
فممّا لا شك فيه أن هذا الإنذار المذكور في قوله: {وليُنذِرُواْ}. والتحذير من مخالفته في قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ليس برأي ولا اجتهاد.
وإنما هو إنذار بالوحي ممن تفقه في الدين. وصار ينذر بماعلمه من الدين. كما يدل عليه قوله تعالى قبله {لِّيَتَفَقَّهواْ في الدِّينِ} [التوبة: 122]. فهو يدل على أن قوله: {وليُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] أي بما تفقهوا فيه من الدين.
وليس التفقه في الدين إلا علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فتبين أن الآية لا دليل فيها ألبتة لطائف التقليد. الذين يوجبون تقليد إمام بعينه. من غير أن يرد من أقواله شيء. ولا يؤخذ من أقوال غيره شيء.
ونجعل أقواله عيارًا لكتاب الله وسنة رسوله فما وافق أقواله منها قبل وما لم يوافقها منها رد.
وهذا النوع من التقليد لا شك في بطلأنه. وعدم جوازه.
فالآية الكريمة بعدية كل البعد من الدلالة عليه. مع أن استدلال المقلدين بها على تقليدهم استدلال بشيء يعتقدون أن الاستدلال به ممنوع باتًا. لأنه استدلال بقرآن.
وأما قبو ل إنذارهم فهو من الاتباع لا من التقليد. كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.
وأما استدلالهم بأن ابن الزبير. قال ما يدل على تقليده لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في أن الجد يحجب الإخوة. فهو ظاهر السقوط أيضًا.
وقد قدمنا مرارًا في رد استدلالهم بتقليد الصحابة بعضهم بعضًا ما يكفين فأغنى عن إعادته هنا.
وأم استدلالهم بقبول شهادة الشاهد في الحقوق. قائلين: إن قبو ل شهادته فيما شهد به تقليد له. فهو ظاهر السقوط لظهور الفرق بينه وبين ما استدلوا عليه به. من تقليد رجل واحد بعينه. بحيث لا يترك من أقواله شيء ولا يؤخذ مما خالفها شيء. ول كان كتابًا أوسنة.
وذلك من وجهين.
أحدهما: أن العمل بشهادة الشاهد أخذ بكتاب الله وسنة رسوله. لأن الله يقول: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُم} [الطلاق: 2] ويقول:
{واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء} [البقرة: 282] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم القضاء بالشاهد واليمين في الأموال.
وفي الحديث «شاهداك أو يمينه» وهو حديث صحيح.
فالأخذ بشهادة الشاهد إذا من العمل بكتاب الله وسنة رسوله لا من التقليد لرجل واحد بعينه تقليدًا أعمى.
الوجه الثاني: أن الشاهد إنما يخبر عما أدركه بإحدى حواسه والمدرك بالحاسة يحصل به القطع لمن أدركه بخلاف الرأي. فإن صاحبه لا يقطع بصحة ما ظهر له من الرأي.
ولذا أجمع العلماء على الفرق بين خبر التواتر المستند إلى حس. وبين خبر التواتر المستند إلى عقل.
فأجمعوا على أن الأول يوجب العلم المفيد للقطع لاستناده إلى الحس.
وأن الثاني لا يوجبه. ولوكان خبر التواتر يفيد العلم في المعقولات لكان قدم العالم مقطوعًا به.
لأنه تواتر عليه من الفلاسفة خلق لا يحصيهم إلا الله.
مع أن حدوث العالم أمر قطعي لا شك فيه.
فالذين تواتروا من الفلاسفة على قدم العالم الذي هو من المعقولات لا من المحسوسات لوتواتر عشرهم على أمر محسوس لأفاد العلم اليقني فيه.
فالشاهد إن أخبر عن محسوس. وكان عدلًا. فهو عدل مخبر عما قطع به قطعًا لا يتطرق إليه الشك بخلاف المتجهد. فإنه عدل أخبر عما ظنه. فوضح الفرق بين الأمرين كما ترى.
وأما استدلالهم على تقليدهم بقبول قول القائف والخارص والمقوم والحاكمين بالمثل في جزاء الصيد. وتقليد الأعمى في القبلة.
وتقليد المؤذنين في الوقت والمترجمين والمعرفين. والمعدلين. والمجرحين.
وتقليده المرأة في ظهرها. فهو كله ظاهر السقوط أيضًا.
لأن جمع ذلك لا يقبل منه إلا ما قام عليه دليل من كتاب أوسنة.
فالعمل به من العمل بالدليل الشرعي لا من التقليد الأعمى.
وذلك كله من قبيل الشهادة. والإخبار بما عرفه القائف والخارص إلى آخِره. لا من قبيل الفتوى في الدين.
وقد استدل العلماء على قبو ل قول القائف بسرور النبي صلى الله عليه وسلم من قول مجزز بن الأعور المدلجي في أسامة وزيد «هذه الأقدام بعضها من بعض»
فلوكان قول القائف: لا يقبل لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما برقت أسارير وجهه سرورًا به.
فقبوله لذلك. فهو اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قدمنا الأحاديث النبوية الدالة على قبو ل قول الخارص. وبينا أن بعضها ثابت في الصحيح. ورد قول من منع ذلك في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {وَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].